بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد
لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد :
الذكيُّ
الأريبُ يحوّلُ الخسائر إلى أرباحٍ ، والجاهلُ الرِّعْديِدُ يجعلُ المصيبة
مصيبتينِ.
طُرِدَ
الرسولُ صلى الله عليه و سلم من مكةَ فأقامَ في
المدينةِ دولةً ملأتْ سمْع التاريخِ وبصرهُ .
سُجن
الإمام أحمدُ بنُ حَنْبَلَ وجلد ، فصار إمام
السنة ، وحُبس شيخ الإسلام ابنُ تيمية فأُخْرِج
من حبسهِ علماً جماً ، ووُضع السرخسيُّ في
قعْرِ بئْرٍ معطلةٍ فأخرج عشرين مجلداً في الفِقْهِ ، وأقعد ابن الأثيرِ فصنّفَ جامع الأصول والنهاية من أشهرِ
وأنفعِ كتبِ الحديثِ ، ونُفي ابنُ الجوزي من
بغداد ، فجوَّد القراءاتِ السبعِ ، وأصابتْ حمى الموتِ مالك بن الريبِ فأرسل للعالمين قصيدتهُ الرائعة
الذائعة التي تعدِلُ دواوين شعراءِ الدولةِ العباسيةِ ، ومات أبناءُ أبي ذؤيب الهذلي فرثاهمْ بإلياذة أنْصت لها الدهرُ ،
وذُهِل منها الجمهورُ ، وصفَّق لها التاريخُ .
إذا داهمتك
داهيةٌ فانظرْ في الجانبِ المشرِقِ منها ، وإذا ناولك أحدُهمْ كوب ليمونٍ فأضفْ
إليهِ حِفْنَةً من سُكَّر ، وإذا أهدى لك ثعباناً فخذْ جلْدَهُ الثمين واتركْ باقيه
، وإذا لدغتْك عقربٌ فاعلم أنه مصلٌ واقٍ ومناعةٌ حصينة ضد سُمِّ الحياتِ .
تكيَّف في
ظرفكِ القاسي ، لتخرج لنا منهُ زهْراً وورْداً وياسميناً ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ
لَّكُمْ ) .
سجنتْ
فرنسا قبل ثورتِها العارمةِ شاعرْين مجيديْنِ متفائلاً ومتشائماً فأخرجا رأسيْهما
من نافذةِ السجنِ . فأما المتفائلُ فنظر نظرةٌ في النجومِ فضحك. وأما المتشائمٌ
فنظر إلى الطينِ في الشارعِ المجاور فبكى. انظرْ إلى الوجه الآخر للمأساةِ ، لأن
الشرَّ المحْض ليس موجوداً ؛ بل هناك خيرٌ ومَكْسبٌ وفَتْحٌ وأجْرٌ
.
* * *
* * * * * * * *